السنغافوري إحسان جيم تشوا
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} [المائدة: 3].
(إحسان تشوا جيم سام -23 سنة، والمولود في عائلةٍ تتبع الدِّيانة
الطاويَّة- آمن بالمسيحيَّة؛ بسبب التهديد حين كان في التاسعة من عمره،
وبعد ذلك وفي سنيِّ مراهقته المبكِّرة اتَّبع تعاليم بوذا، ثم وجد طريقه
لدخول الإسلام.
نُشرت قصة إسلام إحسان في مجلة "القارئ المسلم" عدد تشرين أول- كانون أول، والَّتي تصدر عن جمعيَّة مُعتنقي الإسلام في سنغافورة).
بالرجوع إلى معنى الحديث، فإنَّ المولود يولد وكأنَّه قطعة قماشٍ بيضاء،
فأبواه هما الَّذيْن يلوِّنانها بالأحمر، أو الأخضر، أو الأصفر.
إنَّ والديَّ طاويَّان، وهكذا أُنشئت على الدِّيانة الطاويِّة منذ
ولادتي، خلال سنيِّ طفولتي، آمنت وقبلت الطاويَّة، حتى ولو لم أكن أعرف
شيئًا عنها. فقط وفي سنيِّ مراهقتي كان أن اكتشفت بأنَّ الطاويَّة هي دين
عبادة السَّلَف؛ حتى إنَّ والديّ -كغيرهما من الكثير من الطاويِّين- لم
يكلِّفا نفسيهما معرفة تاريخ هذه الدِّيانة، فأنا لم أُعلَّم تاريخ
التعاليم الطاويَّة.
تقبَّلت ومارست هذه الدِّيانة فقط، تبعًا لما قُدِّم لي دون أدنى شك.
حين كنت في التاسعة من عمري، حدَّثني وبعض زملائي معلِّم المدرسة
بأنَّنا كلُّنا يجب أن نصبح مسيحيِّين، وأخبرنا بأنَّنا إن لم نصبح
مسيحيِّين، فإنَّه بالضَّرورة سيصيبنا الموت كعقوبةٍ لنا على عدم كوننا
كذلك. بتُّ خائفًا جدًّا من هذا التهديد، ومنذئذٍ أصبحت مؤمنًا بديانتين:
الطاويَّة (بسبب عائلتي)، والمسيحيَّة (بسبب التهديد)، وحين كبرت لم أستطع
أن أقرِّر بأيِّ دينٍ عليَّ الالتزام.
خلال سنتيَّ الثالثة والرابعة في المدرسة الثانويَّة، اخترت دراسة
البوذيَّة كموضوعٍ في العلوم الدينيَّة؛ لأنَّها كانت معروفةً على أنَّها
الموضوع الأسهل للدراسة. تأثَّرت بالعقيدة البوذيَّة لأنَّها منطقيَّة
جدًّا وعمليَّة، ومفهوم الصدقة في البوذيَّة أصاب وترًا في قلبي، فاتَّبعت
التعاليم البوذيَّة قدر ما استطعت، لكنِّي لم أُصبح بوذيًّا..
فقد وجدت أنَّ البوذيَّة وعلى الرغم من أنَّها تقوم على مبادئ وتطبيقاتٍ
جيِّدة إلاَّ أنَّها مع ذلك ينقصها وجود القوَّة العليا (الله I).
حين انضممت إلى كليَّة سانت أندروز يونيور، وهي مدرسةٌ تبشيريَّة، كان
إلزاميًّا على كلِّ الطلاب -ما عدا المسلمين منهم- حضور صلاة الأحد
المدرسيَّة. خلال الصلاة كنَّا ننشد ونستمع إلى الطقوس.
في نهاية بعض الصلوات، كنَّا نُسأل إن كان أحدٌ منَّا يرغب في دخول
المسيحيَّة، وقد كنت متأثِّرًا بأحد الرُّهبان على وجه الخصوص؛ لأنِّي
اعتبرته "قويًّا" في وعظه. فقد كان يستخدم النبوءات من الإنجيل ليثبت بشكلٍ
فعَّال "الحقيقة" الموجودة في العهد القديم وعلاقتها مع تلك الموجودة في
العهد الجديد. وتأثَّرت بشكلٍ خاصٍّ حين كان يتكلَّم عن النبوءات الَّتي
كانت في العهد القديم وتحقَّقت في العهد الجديد، وزاد اهتمامي حين تكلَّم
عن اليوم الآخر، وقد قام أيضًا بربط تجارب متنوِّعةٍ مرَّ خلالها بعض
المسيحيِّين.
أحد الأمثلة كان عن سيِّدةٍ مسيحيَّةٍ كانت قد أُعلن موتها. وفي "موتها"
مرَّت خلال محنة جرٍّ لها من رِجلَيْها إلى جهنَّم؛ وبطريقةٍ ما تحرَّرت
وعادت إلى الحياة، وبعد عودتها من "الموت" أكَّدت على وجود الله، والحياة
بعد الموت، ووجود جهنَّم كما هو مذكورٌ في الإنجيل. هكذا بدأ انجذابي نحو
الدِّيانة الأرثوذكسيَّة الأنجليكانيَّة، حينئذ كنت في السابعة عشرة من
عمري.
لكنِّي مع ذلك لم أستطع أن أستقرَّ في طائفةٍ واحدةٍ من الطوائف
المسيحيَّة، فقد كنت دائم التنقُّل من كنيسةٍ إلى أُخرى، كنت ما أزال أبحث
عن السَّكينة الداخليَّة، ولم أستطع اتِّخاذ قراري إلى أيِّ كنيسةٍ كان
عليَّ الذِّهاب، حين كنت في السَّنة الأخيرة في الجيش، قابلت صديقًا قادني
إلى كنيسته (سانت جون سانت مارجريت)، فشعرت أخيرًا بأنِّي "في بيتي" في هذه
الكنيسة، وأصبحت فاعلاً في النَّشاطات الكنسيَّة، كنت المسئول في مُهمّتين
تبشيريَّتين، إحداهما كانت تتعلَّق بالعمل مع الأولاد، في حين كانت الأخرى
تتعلَّق بنشاطٍ رياضيّ.
وكنت مُشاركًا في التخطيط التعليميِّ للأولاد، قُدِّم من خلال هذا
النشاط التعليم المجانيُّ لأولاد المدارس، في نفس الوقت الَّذي كانت فيه
رسالة المسيحيَّة تُنشر ببطءٍ وبشكلٍ مهذَّب.
كان الأولاد من مستوى ابتدائيٍّ، وأُوكل إليَّ الاهتمام باثنين منهم،
وقبل أيِّ تعليمٍ كانت هناك جلسةٌ للعبادة؛ كنَّا ننشد الأناشيد، وكانت
لدينا جلسات سردٍ للقصص، حيث كنت أحكي للأولاد قصصًا من الإنجيل.
وعملت أيضًا باجتهادٍ مع المجموعة الرياضيَّة للكنيسة، فكنَّا نقوم
بالعمل التبشيريِّ بسؤال الناس الانضمام إلينا في اللعب، وكنت المسئول عن
فريق كرَة السلَّة.
في كلِّ أُسبوعٍ كنَّا نستأجر قاعةً نمارس فيها اللعبة، وكنا ندعو
"الدُّخلاء" ونحاول قيادتهم للمسيحيَّة بأن نكون مثلاً لهم، فكنَّا نقوم
بالتركيز على روح التعاون والاهتمام، فحاولنا التعبير عن هذه الفضائل قدر
ما استطعنا، وخلال ذلك، وبعد التمارين، كنَّا نحاول تلقين المسيحيَّة
لأولئك الشباب، الَّذين كانت غالبيتهم من المراهقين اليافعين.
مفهوم النشاط الرياضيِّ عمليٌّ إلى درجةٍ كبيرة، ليس في سنغافورة فقط بل
وفي بلدانٍ أُخرى أيضًا. كانت كنيستي هي الأولى في سنغافورة الَّتي
تُقدِّم مفهوم الرعاية والاهتمام.
عندما كنت ما أزال نشيطًا في الكنيسة، تعرَّفت إلى مسلمةٍ فحاولت أن
أُحدِّثها عن المسيحيَّة، ولكنَّها كانت على درجةٍ عاليةٍ من اليقين حول
الحقِّ في دينها، مع أنَّها لم تكن تعرف كيف تشرح لي هذه الحقيقة، ولم تكن
هناك أيُّ وسيلةٍ أستطيع بها إقناعها بالمسيحيَّة.
والَّذي كان يدهشني دومًا هو أنَّ الكثير من المسلمين، حتى أُولئك
الَّذين يُدمنون المخدِّرات، كلُّهم "مُتأَكِّدون حتى الموت" بأنَّ الإسلام
هو الدِّين الحق، فقرَّرت سؤال صديقتي المسلمة عمَّا هو حقٌّ جدًّا بخصوص
دينها ممَّا يدفع مُعتنقيه إلى التمسُّك به وعدم تركه، لكنَّها لم تكن تعرف
كيف تشرح لي هذا الأمر، وبدلاً من ذلك أخبرتني بأن أحصل على ما أُريد من
المعلومات عن الإسلام من دار الأرقم، وهي جمعيَّة مُعتنقي الإسلام في
سنغافورة.
وافقت على اقتراحها على الرغم من أنِّي كنت أعتبر الإسلام دين الإرهاب،
وعلى أنَّه دينٌ لا منطقيَّة فيه. فقد كان فهمي يملي عليَّ بأنَّه إذا كان
الدِّين صالحًا فإنَّ مُعتنقيه سيكونون صالحين.
وفي حالة المسلمين، الَّذين كنت أعرف القليل منهم، كان أُولئك الَّذين
كنت أعرفهم "مسلمين غير صالحين"، أذكر أنِّي كنت أعرف مسلمةً واحدةً صالحةً
فقط، وذلك خلال سنيِّ دراستي في الكليَّة ولكنَّها لم تقم بأيِّ مُحاولةٍ
لنقل رسالة الإسلام لي.
في ذلك الوقت، كان هناك بعض المسلمين الَّذين كانوا يحاولون نشر الرسالة
الإسلاميَّة لي، وكانت عائلتي ضدَّ الإسلام بسبب ما كان دائم الحدوث في
الشرق الأوسط؛ كما حدث أيضًا أن كان كلُّ العمَّال الملاويّين الَّذين
وظَّفهم والدي من الكُسالى وسيِّئي السُّلوك.
وحيث إنِّي وافقت على زيارة دار الأرقم، ذهبت من فوري إلى تلك الجمعيَّة.
في زيارتي الأولى حضرت درس التوجيه، وقُدِّمْت إلى الأخ ريماي. وقد
صُدِمْت وأُثير اهتمامي بأمريْن حدَّثني بهما، أوَّلهما: أنَّه أشار لي
بأنَّ الإسلام لا يقوم على الهوى، عكس المسيحيَّة. تأمَّلت في هذه الكلمات
وكنت مندهشًا من ردَّة فعلي عليها.
وثانيهما: أنَّه قال: "لا تتحوَّل إلى الإسلام بطريقةٍ عاجلة، حتى تسأل
قدر ما تستطيع من الأسئلة، وعندما لا يتبقى لديك ما تسأل، عندها فقط تحوَّل
إلى الإسلام".
ففي المسيحيَّة أنت لا تستطيع طرح الأسئلة؛ لأنَّك إن سألت أكثر أصبحت
مُشوَّشًا أكثر، وبعد أن أوضح هاتين النقطتين، أوصى الأخ ريماي الصفَّ
التوجيهيَّ بقراءة كتاب "الإسلام في بؤرة التركيز".
صُدمت بما وجدته في هذا الكتاب، فبعض المواضيع الَّتي كنت أعتقدها غير
منطقيَّة في المسيحيَّة، ولم تكن هناك طريقةٌ لفهمها، وجدت الإجابة عليها
في هذا الكتاب.
وصُدمت أيضًا بأنِّي وجدت في الكتاب ما كنت أُومن به، وكما وجدت أنَّ
بعض المعتقدات البوذيَّة هي في الحقيقة مفاهيم إسلاميَّة، فهناك العديد من
المبادئ البوذيَّة المشابهة لبعض المفاهيم الإسلاميَّة.
في الأسبوع التالي عدت إلى دار الأرقم لحضور صف المبتدئين، وكان الصفُّ
قد قطع نصف الطريق خلال أركان الإسلام، فوجدت الدرس مملاًّ، فحضرت حصَّة أو
حصَّتين فقط ثم تركت الصف.
بعدئذٍ اشتريت كتابيْن آخريْن عن الإسلام: "الاختيار بين الإسلام
والنصرانية" للشيخ أحمد ديدات، و"أساس عقيدة المسلم"لجاري ميللر. وقد
تأثَّرت بهما حقًّا.
قابلت الأخ ريماي مرَّةً أخرى فقدَّمني للأستاذ "ذو الكفل"، والَّذي ناقش معي الإسلام لبضعة أسابيع.
أيُّ أسئلةٍ كانت تُشكِّل مُعضلةً بالنسبة لي عن المسيحيَّة، والَّتي لم
يكن باستطاعتي التعامل معها، كنت أضعها في قائمةٍ وأعرضها على كنيستي وعلى
الكليَّة الإنجيليَّة في سنغافورة، وقد جعلني ذلك في وضعٍ صعبٍ للغاية؛
لأنِّي لم أستطع قبول ردودهم على تلك الأسئلة، لا من الكنيسة ولا من
الكليَّة الإنجيليَّة، فقد كنت أعتبر بأنَّ قبولي منطق ردودهم وكأنَّه
تلويثٌ لله I.
فعلى سبيل المثال، عندما حاولت نقاش التناقضات في الإنجيل كان كلّ ما
استطاعوا قوله لي بأنَّ هذه تناقضات صغيرة، أو أخطاء صغيرة، أو خطأ طباعيّ،
فكان عليَّ أن أقوم ببحثي الخاص للردِّ على تلك الأسئلة الَّتي وُجِّهت
إليَّ في دار الأرقم.
الجزء الأكثر تدميرًا في بحثي كان تاريخ الكنيسة، فتاريخ الكنيسة نفسه
يُلقي الضَّوْء على حقيقة أنَّ مفهوم الثالوث قُدِّم في سنة 325 بعد
الميلاد، أي بعد 325 من "موت" المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام). وقبل ذلك
كانت هناك تعاليم كلُّها مختلفة بعضها عن بعض.
وحيث إنِّي حصلت على الكثير من المعلومات عن المسيحيَّة من مصادر
إسلاميَّة، فلم أكن مقتنعًا، فما وجدته حول المسيحيَّة من المصادر
الإسلاميَّة حاولت التثبُّت منه من موسوعاتٍ متنوِّعةٍ ومن مصادر أخرى،
فوجدت بأنَّ كلَّ المعلومات الَّتي حصلت عليها من المصادر الإسلاميَّة كانت
حقائق دامغة. وحين نظرت عن قُرب -أقرب من أيِّ وقتٍ مضى- إلى النبوءة
الَّتي تقول: "سيأتي روح الحقِّ وسيقود الناس إلى كلِّ الحقّ". استطعتُ أن
أرى بوضوح بأنَّ تلك النبوءة كانت تشير إلى النبيِّ محمَّدٍ (صلَّى الله
عليه وآله وسلَّم) وإلى رسالته. فهذه النبوءة لم تُشر إلى عيسى عليه
الصَّلاة والسَّلام؛ لأنَّ المسيحيِّين الأوائل لم يستطيعوا التقرير بخصوص
شخصيَّته. وحتى هذا اليوم ما يزالون يتجادلون بخصوص ذلك.
خلال دراستي للإسلام، حاولت أيضًا أن أتعلَّم شيئًا عنه من الكتب المسيحيَّة فوجدتها خبيثة.
فمع المعرفة الَّتي كانت لديَّ عن الإسلام كنت أستطيع دحض كلَّ
الادِّعاءات الزائفة الَّتي لفَّقها المسيحيُّون. أحد الأمثلة هو الادِّعاء
الَّذي لفَّقوه عن الله I في الإسلام "بأنَّه
يبدو بعيدًا جدًّا، وأنَّه لا يمكنه التواصل مع مخلوقاته" -سبحانه وتعالى
عمَّا يصفون-. كنت أعرف أنَّ هذا ليس صحيحًا؛ لأنَّ الله تعالى في الإسلام
أقرب إلى مخلوقاته من حبل الوريد {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16].
وادَّعى المسيحيُّون أيضًا بأنَّ الله تعالى تنقصه معاني الحب.
لا أدري كيف يمكن للمسيحيِّين ادِّعاء مثل ذلك، في حين أنَّ قول "بسم الله الرَّحمن الرَّحيم" هو روتينٌ يوميٌّ عند المسلم.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ هناك 99 اسمًا لله تعالى تُلْقي الضَّوء على أسمى
معاني الحب والرعاية الإلهيَّة في الإسلام، فكان يتوجَّب عليَّ رفض كلِّ
الادِّعاءات الَّتي صنعها المسيحيُّون عن الإسلام؛ لأنَّه كان يتوجَّب
عليَّ أن أكون عادلاً مع نفسي، فكلُّها كانت من وجهة النظر الكنسيَّة، وكان
يتوجَّب عليَّ أن أعتبرها كذبًا.
بعدئذٍ قرأت كتاب "محمَّدٌ في الإنجيل" وكتاب "إنجيل توما". حتى الآن
كنت قد تلقَّيْت الكثير من الصَّدمات. أمَّا "مخطوطات البحر الميِّت" فقد
كانت هي الصدمة الأخيرة الَّتي حطَّمت عقيدتي المسيحيَّة. لقد حاولت
ولكنِّي لم أجد سببًا للبقاء على المسيحيَّة. فقد رأيت كلَّ الزَّيف الَّذي
لم أكن أتوقع رؤيته فيها. لقد تفحَّصت بعنايةٍ وبكلِّ الطُّرق لأتأكَّد،
فلعلِّي كنت مخطئًا، حتى لم يتبقّ لي ما أتأكَّد منه.
واصلت تعلُّمي عن الإسلام، من القرآن الكريم ومن كتبٍ أُخرى، ومن معلِّمين مسلمين كافحوا لإرشادي إلى طريق الحق.
وفي أحد الأيَّام سألني الأستاذ ذو الكفل: "أما آن لك أن تدخل الإسلام؟"
فلم أستطع أن أتفوَّه ببنت شفة. فكَّرت في ذلك مرارًا وتكرارًا، لكنِّي لم
أجد سببًا واحدًا يمنعني من دخول الإسلام، وعندها قرَّرت إعلان الإسلام،
دين الحق.
في البداية لم تأخذ عائلتي تحوُّلي هذا على محملٍ من الجِدّ، فقد ظنُّوا
أنِّي أعلنت إسلامي اسميًّا فقط وأنِّي سأُواصل حياتي كغير مسلم وآكل لحم
الخنزير فيما بعد، عندما وجَدَت عائلتي أنِّي أصبحت مسلمًا ملتزمًا حدثت
فوضى عارمة، وأصبحت الأمور أكثر فوضويَّة حين بدأتُ صيام شهر رمضان، لقد
كنت على وشك أن أُطرد من البيت. واستمرَّت هذه الحال من التوتر لبضعة شهورٍ
تلت.
لم أكن خلالها أتناول طعامي في بيتي، واتُّهمت بأنِّي لم أعد أُحبُّ
عائلتي. وكانت هناك مشاحناتٌ مستمرَّةٌ بيني وبين أفراد عائلتي، حاولت أن
أشرح لهم الإسلام ولكنَّهم لم يفهموه.
وتشكَّل لديَّ خوفٌ من العودة إلى البيت، فكنت أبقى حتى وقت متأخِّرٍ من
الليل خارجه، وفي أحد الأيَّام جاءت إليَّ أُمِّي وأخبرتني بألاَّ أتأخَّر
ليلاً، وقالت بأنَّ أبي قد عبَّر عن قلقه حيال ذلك، واقْتَرَحَتْ بأن
أشتري طعامي الخاص وأنَّها ستُعِدُّه لي بشكل مستقلّ. أمَّا الآن فإنَّ
معظم أفراد عائلتي يأكلون الطعام الحلال في البيت؛ لأنَّ من المناسب أكثر
لأُمِّي أن تُعِدَّ الأطباق الَّتي يمكن أن يأكلها ليس فقط معظم أفراد
العائلة بل وابنها المسلم كذلك. تحسَّنت الأوضاع في بيتي، إلاَّ من بعض
الإزعاج العرضي وغير المؤذي من عائلتي. الحمد لله.
المصدر: كتاب "رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا" لعبد الرحمن محمود.
إرسال تعليق